ست سنوات من الرعب والفزع عاشتها الأسرة في وهم مع عالم الجن، أشياء تختفي وأخرى تظهر بصورة لم تدع لديهم مجالاً للشك في وجود عفريت يسكن معهم المنزل، حتى كانت الصدمة التي ساقها القدر صدفة، عندما اكتشفوا
أن هذا الجن الذي أحال حياتهم إلى عذاب وجحيم لا يطاقان، ما هو إلا ابنتهم الصغرى التي سقطت في قبضة رجال الشرطة وبحوزتها ما أخفاه العفريت منذ عامين.
في جنوب القاهرة يقع حي دار السلام، منطقة شعبية كثيفة السكان. ورغم المباني الشاهقة التي تضفي على المنطقة نوعاً من التحضر، فإن المقيمين فيها ما زالوا يصدقون الخرافات، لذا لم يكن صعباً على أسرة عبد المنعم أن تؤمن بأن الأشياء التي تختفي من منزلهم بصورة مستمرة وراءها جن.
أسرة بسيطة ذات أصول صعيدية، يعمل عائلها في مهنة الخراطة في ورشة أسفل مسكنه، وزوجته ربة منزل تركت التعليم منذ كانت في العاشرة من عمرها، ولديه من الأبناء ثلاثة، أكبرهم مريم ثم شقيقاها التوأمان اللذان يصغرانها بعامين.
تطلعات قاتلة
لم يكن الخراط يتخيل أن بحثه عن مستوى أفضل لأبنائه سيكون نقمة عليه في يوم من الأيام، فرغم ظروفه المالية المتعثرة، أصرّ على أن يرسل صغاره إلى مدرسة خاصة قد تؤمن لهم مستقبلاً أفضل من التعليم، بعيداً عن المدارس الحكومية، لتبدأ صغيرته التمرد على الحياة من خلال مقارنات عقدتها مع زميلاتها في هذه المدرسة.
ولأن الأب لم يكن ميسوراً بدرجة تجعله يلبي تطلعات ابنته وطلباتها المستمرة، كان الرفض دائماً ما يواجهها، لتعيش إحساس الحرمان مقارنةً بما تراه عند زميلاتها. وبدون تفكير قررت مريم الاستيلاء على ما يقع تحت يدها من أموال تمكنها من الظهور في موقف يميزها عن زميلاتها. ولأن الأمر كان من السهل كشفه، لجأت إلى تمثيلية أقنعت من خلالها أسرتها بأن الأشباح تسكن منزلهم، بعد أن استيقظ الجميع ذات صباح ووجدوا السواد وقد غطى أحد جدران الحمام ليعجزوا عن تفسير ذلك. وهنا راحت الإبنة تروي أساطير عن الهالات التي تراها. ولأنها كانت طفلة صغيرة، كان من المستحيل أن يستوعب أحد أنها تكذب أو أنها وراء هذا اللون الأسود الذي صنعته بطلاء اشترته من أجل مخططها.
نجحت الشيطانة الصغيرة في زرع الأوهام في رأسَي والديها، لتبدأ الاستيلاء علي مبالغ مالية يدخرها الأب في غرفة نومه.، وأمام قسم زوجته أن يدها لم تمتد إليها، اضطر لتصديق أمر الجن الذي حلَّ عليه ضيفاً ثقيلاً فلجأ إلى شيوخ حاروا في أمر ما يحدث في منزله، دون أن يفلحوا في إنهاء مشكلته.
الثراء الكاذب
وحتى لا تدع الطفلة غير البريئة مجالاً للشك فيها، كانت تخفي أشياء تافهة، مثل أواني الطهو وأدوات المائدة وأحياناً ملابس والديها وشقيقيها الصغيرين، وتستولي في الوقت نفسه على مصوغات والدتها قطعة وراء الأخرى، تذهب لبيعها لأحد ضعاف النفوس ليبخس ثمنها، مستغلاً علمه بكونها مسروقة، لتحصل هي على حفنة من الجنيهات تنفقها على عزومة دعت إليها زميلة في المدرسة لتظهر أكثر ثراءً منها.
أتقنت مريم اللعبة، وصارت تعرف كيف لا تلفت النظر إليها، من خلال إعادة أشياء كانت قد اختفت منذ سنوات لتظهر مجدداً فجأة، يساعدها في ذلك ما يحيط بوالديها من سذاجة بحكم افتقارهما إلى العلم والمعرفة. فاختفاء قميص من ملابس الأب وظهوره بعد عام، أو سكين من مطبخ والدتها وعودتها فجأة، لا تفسير له إلا أنها أفعال الجن.
أصبح البخور لا ينقطع من المنزل، والشيوخ يكادون لا يفارقونه، في محاولة لإيجاد حل لهذا «العفريت» الذي سكن المنزل رافضاً الرحيل قبل أن يستولي على كل شيء. إلا أن كل المحاولات باءت بالفشل، فالعفريت لا يفارق حافظة نقود الرجل، يستولي على كل ما فيها ويتركها خالية، وعندما يترك الرجل أمواله في ورشة الخراطة التي يملكها والتي نجت من أذى هذا العفريت، يبحث عن أي شيء ثمين ليستولي عليه، مثل كاسيت صغير أو مكواة أو حتى طقم أكواب اشترته زوجته لجهاز ابنتهما.
العفريت اللص
أصبح المنزل وما يحدث فيه حديث الحي، ورغم أن العفريت لم يكن مؤذياً بشكل بدني، ولا يقترب من أهل المنزل، فإن الجميع بات يخشى الاقتراب منه خوفاً من أن يلبسه هذا الجن، الذي أخذ نوعاً من الطُرفة في حياة عائل الأسرة، فمع كل صباح يفتتح فيه ورشته يلقي عليه أهل الحي السلام، ويبدأون السؤال عن أحوال العفريت والأشياء التي استولى عليها في الليلة الماضية.
الرحيل
عاش الرجل وزوجته في وهم ست سنوات، حتى وجد عبد المنعم أن الرحيل عن هذا المنزل هو الملاذ الوحيد من أفعال هذا الجن. وحين بدأ يفكر في شراء مسكن جديد، أرسل له القدر الحقيقة، عندما جاء إلى ورشته أحد أمناء الشرطة طالباً حضوره لمقابلة رئيس المباحث، فذهب مسرعاً لاستطلاع الأمر، ليجد كارثة في انتظاره.
دقائق انتظرها الرجل أمام مكتب رئيس المباحث حتى سمح له بالدخول، وقبل أن يفهم سبب استدعائه جاءه سؤال مباغت عن ابنته التي كان يظن أنها في المدرسة، حتى ضغط الضابط جرس مكتبه وأمر الحرس بإحضارها من الحجز، ليشعر عبد المنعم بأن ثقلاً وضع على قلبه يكاد يطبق على أنفاسه يعجز عن إزاحته عله يلتقط نفسه الأخير.
كان رجال الشرطة قد ألقوا القبض على ابنته، أثناء وجودها لدى أحد محلات بيع المشغولات الذهبية تعرض قرطاً ذهبياً للبيع بقيمة لا توازي ربع ثمنه، ليشك الرجل في أمرها ويبلغ رجال المباحث بعد أن فطن إلى أنه مسروق. إلا أن المفاجأة كانت في اعترافها بسرقته من والدتها، الأمر الذي استوجب استدعاءه.
لم يصدق عبد المنعم ما يسمعه حتى كاد يغمى عليه، عندما وجد أن القرط الذي ضبط بحوزة ابنته من ضمن الأشياء التي استولى عليها العفريت قبل عامين، لينهال عليها بالضرب غير مصدق أن تكون صغيرته هي العفريت الذي يعيش معه منذ ست سنوات.
وقفت مريم عبد المنعم (16 سنة) تذرف الدموع، تحاول استجداء عطف والدها طالبة منه المغفرة، إلا أن أصول الرجل الصعيدية ظهرت عليه وأصر على الانتقام منها واتهمها بالسرقة، لتبيت ليلتها في الحجز عقاباً لها على تطلعاتها غير المشروعة، ليعود عن أقواله بعد استجداء الأم خوفاً من الفضيحة، ويذهب إلى النيابة ويفيد بأن زوجته أبلغته أنها هي من منحت صغيرتها القرط لتبيعه، ليتم إخلاء سبيلها، والجميع يعلم أنها «العفريت» الذي نشط في السرقة طوال ست سنوات.
أن هذا الجن الذي أحال حياتهم إلى عذاب وجحيم لا يطاقان، ما هو إلا ابنتهم الصغرى التي سقطت في قبضة رجال الشرطة وبحوزتها ما أخفاه العفريت منذ عامين.
في جنوب القاهرة يقع حي دار السلام، منطقة شعبية كثيفة السكان. ورغم المباني الشاهقة التي تضفي على المنطقة نوعاً من التحضر، فإن المقيمين فيها ما زالوا يصدقون الخرافات، لذا لم يكن صعباً على أسرة عبد المنعم أن تؤمن بأن الأشياء التي تختفي من منزلهم بصورة مستمرة وراءها جن.
أسرة بسيطة ذات أصول صعيدية، يعمل عائلها في مهنة الخراطة في ورشة أسفل مسكنه، وزوجته ربة منزل تركت التعليم منذ كانت في العاشرة من عمرها، ولديه من الأبناء ثلاثة، أكبرهم مريم ثم شقيقاها التوأمان اللذان يصغرانها بعامين.
تطلعات قاتلة
لم يكن الخراط يتخيل أن بحثه عن مستوى أفضل لأبنائه سيكون نقمة عليه في يوم من الأيام، فرغم ظروفه المالية المتعثرة، أصرّ على أن يرسل صغاره إلى مدرسة خاصة قد تؤمن لهم مستقبلاً أفضل من التعليم، بعيداً عن المدارس الحكومية، لتبدأ صغيرته التمرد على الحياة من خلال مقارنات عقدتها مع زميلاتها في هذه المدرسة.
ولأن الأب لم يكن ميسوراً بدرجة تجعله يلبي تطلعات ابنته وطلباتها المستمرة، كان الرفض دائماً ما يواجهها، لتعيش إحساس الحرمان مقارنةً بما تراه عند زميلاتها. وبدون تفكير قررت مريم الاستيلاء على ما يقع تحت يدها من أموال تمكنها من الظهور في موقف يميزها عن زميلاتها. ولأن الأمر كان من السهل كشفه، لجأت إلى تمثيلية أقنعت من خلالها أسرتها بأن الأشباح تسكن منزلهم، بعد أن استيقظ الجميع ذات صباح ووجدوا السواد وقد غطى أحد جدران الحمام ليعجزوا عن تفسير ذلك. وهنا راحت الإبنة تروي أساطير عن الهالات التي تراها. ولأنها كانت طفلة صغيرة، كان من المستحيل أن يستوعب أحد أنها تكذب أو أنها وراء هذا اللون الأسود الذي صنعته بطلاء اشترته من أجل مخططها.
نجحت الشيطانة الصغيرة في زرع الأوهام في رأسَي والديها، لتبدأ الاستيلاء علي مبالغ مالية يدخرها الأب في غرفة نومه.، وأمام قسم زوجته أن يدها لم تمتد إليها، اضطر لتصديق أمر الجن الذي حلَّ عليه ضيفاً ثقيلاً فلجأ إلى شيوخ حاروا في أمر ما يحدث في منزله، دون أن يفلحوا في إنهاء مشكلته.
الثراء الكاذب
وحتى لا تدع الطفلة غير البريئة مجالاً للشك فيها، كانت تخفي أشياء تافهة، مثل أواني الطهو وأدوات المائدة وأحياناً ملابس والديها وشقيقيها الصغيرين، وتستولي في الوقت نفسه على مصوغات والدتها قطعة وراء الأخرى، تذهب لبيعها لأحد ضعاف النفوس ليبخس ثمنها، مستغلاً علمه بكونها مسروقة، لتحصل هي على حفنة من الجنيهات تنفقها على عزومة دعت إليها زميلة في المدرسة لتظهر أكثر ثراءً منها.
أتقنت مريم اللعبة، وصارت تعرف كيف لا تلفت النظر إليها، من خلال إعادة أشياء كانت قد اختفت منذ سنوات لتظهر مجدداً فجأة، يساعدها في ذلك ما يحيط بوالديها من سذاجة بحكم افتقارهما إلى العلم والمعرفة. فاختفاء قميص من ملابس الأب وظهوره بعد عام، أو سكين من مطبخ والدتها وعودتها فجأة، لا تفسير له إلا أنها أفعال الجن.
أصبح البخور لا ينقطع من المنزل، والشيوخ يكادون لا يفارقونه، في محاولة لإيجاد حل لهذا «العفريت» الذي سكن المنزل رافضاً الرحيل قبل أن يستولي على كل شيء. إلا أن كل المحاولات باءت بالفشل، فالعفريت لا يفارق حافظة نقود الرجل، يستولي على كل ما فيها ويتركها خالية، وعندما يترك الرجل أمواله في ورشة الخراطة التي يملكها والتي نجت من أذى هذا العفريت، يبحث عن أي شيء ثمين ليستولي عليه، مثل كاسيت صغير أو مكواة أو حتى طقم أكواب اشترته زوجته لجهاز ابنتهما.
العفريت اللص
أصبح المنزل وما يحدث فيه حديث الحي، ورغم أن العفريت لم يكن مؤذياً بشكل بدني، ولا يقترب من أهل المنزل، فإن الجميع بات يخشى الاقتراب منه خوفاً من أن يلبسه هذا الجن، الذي أخذ نوعاً من الطُرفة في حياة عائل الأسرة، فمع كل صباح يفتتح فيه ورشته يلقي عليه أهل الحي السلام، ويبدأون السؤال عن أحوال العفريت والأشياء التي استولى عليها في الليلة الماضية.
الرحيل
عاش الرجل وزوجته في وهم ست سنوات، حتى وجد عبد المنعم أن الرحيل عن هذا المنزل هو الملاذ الوحيد من أفعال هذا الجن. وحين بدأ يفكر في شراء مسكن جديد، أرسل له القدر الحقيقة، عندما جاء إلى ورشته أحد أمناء الشرطة طالباً حضوره لمقابلة رئيس المباحث، فذهب مسرعاً لاستطلاع الأمر، ليجد كارثة في انتظاره.
دقائق انتظرها الرجل أمام مكتب رئيس المباحث حتى سمح له بالدخول، وقبل أن يفهم سبب استدعائه جاءه سؤال مباغت عن ابنته التي كان يظن أنها في المدرسة، حتى ضغط الضابط جرس مكتبه وأمر الحرس بإحضارها من الحجز، ليشعر عبد المنعم بأن ثقلاً وضع على قلبه يكاد يطبق على أنفاسه يعجز عن إزاحته عله يلتقط نفسه الأخير.
كان رجال الشرطة قد ألقوا القبض على ابنته، أثناء وجودها لدى أحد محلات بيع المشغولات الذهبية تعرض قرطاً ذهبياً للبيع بقيمة لا توازي ربع ثمنه، ليشك الرجل في أمرها ويبلغ رجال المباحث بعد أن فطن إلى أنه مسروق. إلا أن المفاجأة كانت في اعترافها بسرقته من والدتها، الأمر الذي استوجب استدعاءه.
لم يصدق عبد المنعم ما يسمعه حتى كاد يغمى عليه، عندما وجد أن القرط الذي ضبط بحوزة ابنته من ضمن الأشياء التي استولى عليها العفريت قبل عامين، لينهال عليها بالضرب غير مصدق أن تكون صغيرته هي العفريت الذي يعيش معه منذ ست سنوات.
وقفت مريم عبد المنعم (16 سنة) تذرف الدموع، تحاول استجداء عطف والدها طالبة منه المغفرة، إلا أن أصول الرجل الصعيدية ظهرت عليه وأصر على الانتقام منها واتهمها بالسرقة، لتبيت ليلتها في الحجز عقاباً لها على تطلعاتها غير المشروعة، ليعود عن أقواله بعد استجداء الأم خوفاً من الفضيحة، ويذهب إلى النيابة ويفيد بأن زوجته أبلغته أنها هي من منحت صغيرتها القرط لتبيعه، ليتم إخلاء سبيلها، والجميع يعلم أنها «العفريت» الذي نشط في السرقة طوال ست سنوات.
0 التعليقات Blogger 0 Facebook
إرسال تعليق