مع اقتراب حلول كل عام ميلادي جديد، صارت الكثير من الصحف الغربية والمواقع العربية، تلجأ إلى جرد الفتاوى الغريبة التي تتهاطل من دعاة وعلماء يقال إنهم من الفقهاء، إما بنقل فتواهم كما هي، أو بتحويرها لأجل الإساءة للمسلمين، تماما كما تقوم بجمع تكهنات المنجمين، الذين صار غالبيتهم وأشهرهم بدجلهم، من العالم الإسلامي، خاصة من لبنان والمغرب وتونس.وللأسف، فإن مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، تجاوزت كل الحدود، وصارت تعتبر الفتاوى نكتا يقدمها المسلمون كل عام جديد، حيث جعلت ركنا ثابتا في المجلة، للاستهزاء بالمسلمين، وتختار مع نهاية كل عام ما تسميه هي بأغبى فتوى خلال العام، وكانت في العام الماضي قد اختارت فتوى للداعية السعودي الشيخ علي الربيعي الذي أفتى بحرمة أن تخلع الزوجة ثيابها بالكامل أثناء مجامعتها للرجل، معتبرا ذلك تشبها بالغربيين وبالأفلام الإباحية، وأفتى بضرورة الطلاق إن أخطأ أحد الزوجين بنزع كامل ثيابه، وهو ما حولته الصحيفة الأمريكية إلى موضوع الساعة، وأدارت لأجله عدة ندوات، خاض فيها رجال الدين المسيحيين وممثلو الأفلام الإباحية والنفسانيون وعلماء الاجتماع للاستهزاء بهاته الفتوى، وساهمت قنوات فضائية عربية في نقل كلام من رجال عاديين ما أوتوا من العلم لا قليلا ولا كثيرا، وتمت ترقية كلامهم إلى فتوى، وتسمية صاحبها بالداعية، كما حدث مع فتوى تحريم مشاهدة اللاعب ميسي لأنه يسجل الأهداف بكثرة، ويقوم بحركة مسيحية، رغم أن المسمى أحمد أبو النورين اليمني صاحب الفتوى، لا أحد يعترف بكونه مفتيا أو داعية. ودعمت التوجهات الغربية والصهيونية لأجل الاستهزاء بعلماء الإسلام وتقديمهم في شكل "غراغوزي" الفتن المذهبية، خاصة بين الشيعة وأهل السنة، حيث اختصت قنوات شيعية ومنها قناة أهل البيت وقنوات سنية، في تقديم فتاوى بعض المتطرفين من هذا الفريق أو ذاك، وتعميمها على كامل أهل السنة وأهل الشيعة، في محاولة لتشويه الطرف الآخر، والمستفيد الأول هم أعداء الإسلام، الذين نقلوا عن أهل السنة أن عالما شيعيا أفتى بإمكانية أن نمنح الأخ أو الصديق، الزوجة من المتعة إن اشتهاها، ونقل الشيعة أيضا أغرب الفتاوى التي جاءت من جهة بعض أهل السنة، مثل تحريم مشاهدة الرسوم المتحركة بوكيمون، وتوم وجيري. ومازالت فتوى الشيخ سلمان العودة، بتحريم تهنئة الكفار بعيد ميلاد المسيح عليه السلام، تتردد مع اقتراب كل سنة ميلادية جيدة، رغم أن سلمان العودة كان واضحا وقال إن التهنئة المحرّمة تخص الأعياد الدينية لغير الدين الحنيف، أما أكثر الفتاوى التي صارت مثارا للجدل، وتجد فيها الفضائيات فرصة لأجل جلب المشاهدين، فتلك التي تتعلق بالعملية الجنسية، إذ يتم إلباسها بالشرعية أي ما بين الرجل وزوجته، أو التي تختلط بالقاذورات، وواضح أن الهدف منها هو الإساءة للمسلمين وللدين الحنيف، ومازال الإعلام الغربي يبتهج للخرجات البشعة للمدعو عبد الباري الزمزمي وهو مغربي يدعي العلم الشرعي، الذي سبق له وأن قال بأن معاشرة الرجل لزوجته الميتة جائز، وهو يحاول بذلك أن يخلع الإنسانية والشعور من الرجل المسلم، الذي لم يُحزنه وفاة زوجته، واهتم بشهوته فقط، كما أن اللقاء الذي أجرته قناة دريم المصرية ربيع هذا العام مع الشيخ مرجان سالم الجوهري القيادي في جماعة الدعوة السلفية الجهادية، تم استغلاله أسوأ استغلال من الغرب، وأيضا من الجيش المصري، حيث لم يتردد مرجان في الإفتاء بضرورة تهديم تمثال أبو الهول وأهرامات الجيزة، لأنها لا تختلف حسبه عن تماثيل هبل وغيرها من تماثيل الجاهلية الأولى، ونقلت هذه الفتوى كلُّ الفضائيات، وتم استعمالها لضرب مصر ثقافيا وخاصة سياحيا، وواضح أن الإعلامي المصري وائل الأبراشي لعب دورا في تلطيخ صورة المسلمين، لأنه أعاد بث هذا الحوار، ومازال في عدة مناسبات.
تضعيف الألباني لحديث "أجرؤكم على الفتيا" تم استغلاله ببشاعة
إلى زمن قريب، لم يكن الكثير من العلماء يجرؤون على الفتوى، فما بالك بعامة الناس، فقد توفي الشيخ عبد الحميد بن باديس وهو العالم الجليل، ولم نقرأ له إلا القليل من الفتاوى في جريدة الشهاب التي كانت تصدر مرة في الشهر، وعدد فتاويه لا يزيد عن عشرة، رغم الجهل المطبق الذي كان يخيم على الجزائريين، وتوفي الشيخ الإبراهيمي وهو أبعد الناس عن الفتوى، وباستثناء الشيخ أحمد حماني والشيخ مرزوق، فإن الفتوى بقيت بعيدة عن الجزائريين، وحتى في مصر لم تكن الفتوى إلا لكبار العلماء وخاصة الأزهريين مثل الشيخ أحمد الشرباصي. وكان الشيخ محمد الغزالي أثناء تواجده في قسنطينة في ثمانينات القرن الماضي، يرد الكثير من طالبي الفتوى، ويشير إليهم بأن الإسلام بسيط لا يصحّ تعقيده بطلب الفتوى في كل صغيرة وكبيرة، ويوجههم إلى أن "الحلال بيّن والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات، لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى، يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب"، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم.وكان الشائع دائما أن أجرأ الناس على الفتيا هو أجرؤهم على النار، طبقا لحديث شريف، تدخل الشيخ ناصر الدين الألباني وقال إن روايته من الدارمي عن عبد الله بن أبي جعفر بقيت من غير سند قوي، وضعّفه ضمن السلسلة الضعيفة 1814 ووضعه في ضعيف الجامع 147، فاستغل بعض أشباه الدعاة ذلك، وراحوا يتجرؤون على الفتوى، بحثا عن مآرب دنيوية أهمها الشهرة والنجومية في مختلف الفضائيات، وللأسف تحقق لهم ذلك، خاصة أن قنوات أجنبية وأخرى عربية صارت توجه لهم الدعوات، لأجل تقديم الإسلام في شكل هزلي، كما أخذت بعض الفتاوى أبعادا ميتافيزيقية، تحدث خلالها أحدهم ويدعى محمد الزغبي، بجواز طهي وأكل لحم الجن، إذا تمكن منه المسلم، وخلال الشهر الأخير ظهرت فتاوى أخرى، منها تحريم عملية التسجيل في رحلات الجولات الفضائية التي يراها بعض العلماء تحديا للخالق، وفتوى حرق كتب الشاعر السوري أدونيس التي أطلقها الشيخ عبد الفتاح حمداش رئيس ما يسمى بجبهة الصحوة السلفية من الجزائر، وواضح أنها كلما كثرت الفتن، كثرت الجرأة على الفتاوى، وكلما كثرت الفتاوى، وقع أصحابها في الخطأ، ولكن للأسف في عالم يبحث عن صغائر الأخطاء القادمة من بلاد الإسلام، فما بالك بكبائرها التي صارت تأتيهم جاهزة.

 

0 التعليقات Blogger 0 Facebook

إرسال تعليق

 
منوعات بوست © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger
Top